الاستشارات النيابية الملزمة: قبل و بعد اتفاق الطائف


في بادىء الأمر، و كما هو متعارف عليه في الدستور اللبناني الذي أشار إلى أن عملية تشكيل الحكومة تبدأ بتسمية الرئيس  المكلف وفقاً لإستشارات   نيابية ملزمة. علاوةً على ذلك، ان رئيس مجلس الوزراء بحسب المادة ٦٤ من الدستور هو رئيس الحكومة يمثلها و يتكلم باسمها و يعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء و يتمتع بصلاحيات عدة. لذلك   سنطرح بهذا الصدد المرحلة الأولى لعملية  تشكيل  الحكومة و هي مرحلة تسمية  الرئيس المكلف و التي لا تتم إلا من خلال إستشارات نيابة ملزمة

تشكيل الحكومة قبل إتفاق الطائف

اذاً، المادة ٥٣  كانت تنص صراحةً على أن مهمة تسمية رئيس الحكومة ينفرد فيها رئيس الجمهورية و عليه فلا دور للمجلس النيابي بتسمية الرئيس المكلف سواء اكانت باستشارات نيابية ملزمة او غير ملزمة. و تجدر الإشارة الى أن  المادة ٥٣ التي كانت  تعطي الحق الحصري في تسمية رئيس الحكومة ليست المادة الوحيدة التي كانت تعطي رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة و تثير بعض الإشكاليات  إضافةً الى ذلك فالمادة  ١٧ كانت تنيط السلطة الإجرائية فقط برئيس الجمهورية  بمعاونة الوزراء. اما المادة ١٨ فكانت تعطي لرئيس الجمهورية الحق   باقتراح القوانين وغيرها من المواد التي كانت   تعطيه صلاحيات واسعة وعديدة

إقرار دستور الطائف وتغير الموازين

بعد إقرار دستور الطائف في ٢٢ تشرين الأول عام ١٩٨٩ الذي انهى الحرب الاهلية اللبنانية ، تم تعديل الدستور اللبناني و قد طال هذا التعديل جزءًا ليس ببسيط  من صلاحيات  رئيس الجمهورية

فبعد  ان كانت السلطة الإجرائية منوطة برئيس الجمهورية بحسب المادة ١٧ أصبحت بعد التعديل منوطة بمجلس الوزراء. علاوةً على ذلك  بموجب المادة ١٨ المعدلة لم يعد لرئيس الجمهورية الحق باقتراح القوانين واصبح هذا الحق حصري  لمجلس النواب و مجلس الوزراء. لكن التعديل الأهم و الذي هو محور حديثنا هو التعديل الذي طرأ على المادة ٥٣ من الدستور اللبناني . حيث جاءت هذه المادة لتنص في فقرتها الثانية على ما يلي

يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس  النواب استناداً الى   إستشارات نيابية ملزمة يطلعهُ رسمياً على نتائجها

وفقاً لهذا التعديل أصبحت مراحل تشكيل الحكومة تبدأ مع مجلس النواب أي عبر هذه الاستشارات النيابية الملزمة التي يدعو إليها رئيس الجمهورية ، لتنتهي هذه المرحلة أيضاً عبر مجلس النواب لأنه هو الجهة التي تمنح الحكومة المشّكلة الثقة. ما قد يثير امامنا الإشكالية التالية: هل الرئيس ملزم بان يسمي المرشح الذي نال اعلى عدد أصوات؟ ففي نيسان/أبريل من العام 1966، اختار رئيس الجمهورية شارل الحلو الرئيس عبد الله اليافي لتأليف حكومة، برغم حصول الرئيس رشيد كرامي على العدد الأكبر من الأصوات خلال الاستشارات النيابية “غير الملزمة”. هنا دافع الرئيس صائب سلام عن خيار الرئيس حلو قائلاً

الرئيس ليس علبة بريد ولا صندوق اقتراع

في العام 1998، وخلال عهد رئيس الجمهورية إميل لحود، أعاد الرئيس نبيه بري استخدام نفس المصطلح، عندما قال “إن الرئيس ليس صندوق اقتراع، وأنه غير مقيّد بنتائج هذه الاستشارات العددية”، لأن عدداً من النواب فوّض  لحود تسمية رئيس الحكومة، ما أثار حفيظة الرئيس الراحل رفيق الحريري، فاعتذر الأخير عن التأليف، معتبراً أن التفويض يشكل تجاوزاً للدستور

 و هنا انقسم الدستوريون حول دور رئيس الجمهورية هنا في مرحلة التسمية ليأتي الجواب الدستوري الحاسم ليعتبر أن رئيس  الجمهورية يجب ان يمتثل االى مشورة النواب أي عليه ان يستجيب الى رغبة النواب وذلك ينبع من مبدأ  ان النائب هو ممثل الشعب و ليس شرطاً ان يسمي المرشح الذي نال اعلى عدد أصوات. لكن يمكن الحسم انه يجب ان يكون هناك توافق بين الاطراف و ان يحل التفاهم لكي يتوصل إلى تسمية رئيس مكلف

اما الاستشارات النيابية فهي تكون من خلال الاستماع الى آراء النواب ويجب الأخذ بهذه الآراء ، أي يحق لكل نائب تسمية مرشح لرئاسة الحكومة كما  يحق لهم عدم التسمية

الخلاصة هنا تقضي  باعتبار انه دون التوافق و النقاش، لا يمكن التوصل الى تسمية رئيس مكلف ، غير ذلك فبعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة هناك ايضاً استشارات نيابية غير ملزمة يجريها النواب  مع الرئيس المكلف وذلك لتشكيل الحكومة


Dina Haidar
Dina Haidar

DSP1

Law is the only way to ensure communal justice worldwide, the only way to protect the oppressed.

Leave a Comment