بين التمييز و السياسة تفتت الصوان


أصدرت الغرفة السادسة الجزائية التابعة لمحكمة التمييز بتاريخ ١٨ شباط ٢٠٢١ قرارا قضى برفع يد المحقق العدلي القاضي فادي صوان عن النظر في الدعوى المتعلقة بالتحقيق بالإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت الذي وقع بتاريخ الرابع من شهر آب ٢٠٢٠

و قد جاء في وقائع القضية أنه قد تقدم كل من وزير الاشغال السابق النائب المحامي غازي زعيتر و وزير المالية السابق النائب المحامي علي حسن خليل بواسطة وكيلهما الاستاذ سامر الحاج بتاريخ ١٦/١٢/٢٠٢٠ بطلب نقل الدعوى للارتياب المشروع بوجه المحقق العدلي القاضي صوان ويمكن تلخيص مضمون الدعوى فيما يلي

أولا : لجهة ادلاءات المدعى عليهما فقد عرضا ما يمكن تلخيصه فيما يلي

 أن النائبين زعيتر و خليل متمسكان بمضموني المادتين 70 و 71 من الدستور ، و بما أنهما وزيران سابقان و بما أن الدستور اللبناني اعطى الصلاحية الوظيفية للتحقيق معهما و الإدعاء عليهما و من ثم محاكمتهما بمعرض أدائهما لمهامهما الوزارية حصرا للمجلس النيابي و المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء و الوزراء و طالما أن هذه القاعدة هي دستورية لا يمكن مخالفتها فهما متمسكان بها

كما اعتبر كل من النائبين زعيتر و خليل أن القاضي صوان لم يكتشف أي شيء على مستوى مفاصل القضية الأساسية لا سيما لجهة وصول النيترات الى لبنان و انزالها بقرار قضائي صادر عن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت من الباخرة الى العنبر رقم ١٢ ووضعها تحت الحراسة القضائية و لجهة ابقاءها في هذا العنبر و سبب هذا البقاء رغم أن قاضٍ آخر من قضاة العجلة كلف خبيرة متخصصة في المتفجرات للكشف على النيترات و بين تقرير الخبيرة خطورة هذه المواد لكن القاضي الذي تلقى هذا التقرير لم يحرك ساكنا تجاه هذا التقرير و المحقق العدلي صوان لم يحرك دعوى الحق العام بحق هذين القاضيين و لم يعط أهمية لهذه المعطيات ما يبين أن أداء القاضي صوان مشوب بالمحاباة و التعمية و أنه غير موضوعي و غير حيادي و بأن سعيه منصب على طمس الحقائف

أمام منزله استنكارا لبطء اجراءاته في القضية و ضغطت عليه لتوقيف رؤوس كبيرة ذلك و يشير مقدما الطلب إلى أن القاضي صوان كان يعتذر منهما لدى الاستماع إلى أفوالهما في البداية بقوله لهما حسب ادّعاءهما: “انت خصك ما عندك علم” و و بشيران الى أن القاضي كان يقول لهما دائما أن كل ما يتم تناولها من خلاله في الإعلام سخيف و أن الوزيرين السابقين لم يرتكبا أي تقصير

وبما أنهما يعتبران أن ما صدر مؤخرا من القاضي من ادعاء عليهما و بما أن القاضي بزعمهما قد ضرب بعرض الحائط القواعد الدستورية المرعية الإجراء

وبما أنه لم يقع أي سبب يبرر انقلاب المحقق العدلي عليهما عدا الضغط الشعبي والإعلامي و الأجندة السياسية

وبما أن وصول خبر تحريك القاضي لدعوى الحق العام بحق الوزيرين السابقين الى الإعلام قبل إخبار المدعى عليهما أصولا

وبما أن المحقق العدلي اجتمع في ذات يوم تحريك دعوى الحق العام مع كل من رئيس مجلس القضاء الأعلى و صهر رئيس الجمهورية روي الهاشم الذي بحسب زعيتر و خليل أبدى انزعاجه من توقيف الضابط النداف دون توقيف رئيسه و أن القاضي صوان أجاب أنه بعد وقت قليل سيسمع خبرا يهز الرأي العام

وبما أنا القاضي صوان بحسب طالبي النقل تداول هذا الأمر مع القاضي عبود و صهر الرئيس عون الأمر الذي يتنافى مع مبدأ حياد القاضي و سرية التحقيق

وبما أن القاضي صوان قام بإرسال كتاب يفيد مضمونه باختصاص المجلس بمحاكمة أشخاص مسؤولين سابقين و حاليين و قد طالبه المجلس النيابي بما لديه من مستندات و معطيات تبرر الشروع بالتحقيق مع المذكورة أسماؤهم في الكتاب الموجه من قبله إلا أن موقف القاضي صوان تبدل و أقدم على تحريك دعوى الحق العام بوجه أربعة مسؤولين ممن وردت أسماؤهم في الكتاب ما يفيد ضرب قاعدة دستورية و أن الملف ليس بين أيد أمينة حيادية 

وبما أن القاضي صوان قد بادر بالقيام بإجراءات جزائية بحق زعيتر و خليل و هما نائبين و محاميين

وبما أن المجلس النيابي حينها كان في دورة الانعقاد العادية

وبما أنه يستفاد من نص المادة 40 من الدستور اللبناني أنه لا يجوز في دورة الانعقاد اتخاذ إجراءات جزائية نحو عضو المجلس النيابي أو القاء القبض عليه الا في حال موافقة المجلس النيابي او في حالة الجرم المشهود

وبما أن المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة تفيد أنه في غير حالة الجرم المشهود لا يمكن استجواب محام عن جريمة تنسب إليه قبل إبلاغ نقيب المحامين الذي يحق له حضور الاستجواب بنفسه او بواسطة من ينيبه من أعضاء مجلس النقابة ما يفيد عدم حيادية القاضي صوان

بناء عليه فإن المدعى عليهما النائبين زعيتر و خليل يطلبون رفع يد المحقق العدلي القاضي صوان عن النظر بالدعوة و نقل القضية من تحت يده للارتياب المشروع

ثانيا: لجهة رد المحكمة

أبدت الغرفة الناظرة بالطلب ملاحظة مفادها أن مقدما الطلب قاما بتقديمه قبل صدور أي قرار قضائي أو اتخاذ أي تدبير إجرائي بحقهما كردة فعل استباقية لمجرد دعوتهما لسماعهما كمدعى عليهما في انفجار مرفأ بيروت و قبل تقدمها بأي دفع للطعن بقانونية الادعاء أو صدور أي قرار قضائي بهذا الشأن وأنه ثبت عدم مثولهما عمدا امام المحقق العدلي واعتبارهما أن المحقق العدلي و بمجرد دعوتهما للاستماع اليهما بصفة مدعى عليهما  يعني برأيهما خروجا عن الأحكام الدستورية ما يبيح لهما طلب نقل الدعوى للارتياب المشروع

وبناء عليه اعتبرت محكمة التمييز أن طلب النقل الراهن مستوجبا للرد في الأساس لعلة افتقاره الى ركائز واقعية تفيد عدم حياد القاضي صوان

:و قد جاء في رد المحكمة ما يلي

بما أن سلوك المدعى عليهما زعيتر و خليل لجهة طلب نقل الدعوى بموجب المادة 340 أصول محاكمات جزائية من جهة و عدم صلاحية القضاء العدلي من جهة أخرى يشكل خروجا على مبدأ حسن النية

و بما أن الاجتهاد مستقر على رد كل ادعاء يخرج عن حدود حسن النية فورا و دون البحث في الموضوع

 و بما أن المادة 100من مجلة الأحكام العدلية المعمول بها بموجب نص المادة 1106 م.ع قد كرست مقولة من سعى إلى نقض ما تم من جهته يكون سعيه مردودا عليه

يقتضي رد طلب النقل شكلا

وبالعودة الى القضية فإن كل من الوزيرين زعيتر وخليل  تذرعا بعدم صلاحية القضاء العدلي بالتحقيق و الادعاء و محاكمة الوزراء فيما يخص الأمور المتعلقة بقيامهم بمهامهم في حين أن طلب نقل الدعوى للارتياب المشروع يرمي الى نقل الدعوى من تحت يد المحقق العدلي الى آخر ما يعني مناقشتها لإدلاءاتهما و كان من الأجدر بطالبي النقل أن يدفعا أمام القاضي بعدم الاختصاص الوظيفي الأمر الذي وضعه المشرع في المادة 73 أ.م.ج لهذه الغاية عليه يقتضي رد الطلب بالشكل 

إن الوزيرين السابقين سلكا طريقا خاطئا اذ كان بإمكانهما الإدلاء بمخالفة المواد 70 و71 دستور و 79 ع.م ما يشكل دفعا شكليا يمكن التمسك به أمام المحقق العدلي دون الحاجة الى المثول أمامه وفقا للمادة 73 أ م ج و أن مخالفة القاضي للقانون لا يمكن تفسيرها بالارتياب المشروع في حياد القاضي ما يعني وقوعهما بالتناقض

إن المادتين 40 دستور و 79 محاماة تتعلقان بالنظام العام ولو تمسك النائبان بهما كدفع شكلي لوجب على نقابة المحامين اتخاذ الموقف المناسب وأنهما أقدما على الهجوم على القاضي صوان إعلاميا و ارتكاب مخالفة دستورية و قاما بالتشهير بشخصه ما يحتاج رد المطالب المزعومة لأنها لا تشكل سببا للارتياب المشروع

وبما أن كل من النائبين المحاميين بدل من أن يتيح للقاضي البت بدفوع شكلية لم يتم تقديمها وفق الأصول و أنهما لو قدما هذه الدفاع الشكلية المسندة الى المواد الدستورية 40 ، 70 و 71 اضافة الى المادة 79 محاماة لتمكن كل من المحامين أن يطعن بهذا القرار عملا بأحكام المادة 741 أصول محاكمات مدنية الأمر الذي يقتضي رد طلبهما المزعوم

وأضافت الغرفة التمييزية الجزائية السادسة أن القاضي صوان أبلغ المجلس النيابي عن نيته بتحريك دعوى الحق العام بحق المتهمين إلا أن الأخير أجاب بانتفاء الشبه تجاههما و لفت القرار إلى أن نائب رئيس المجلس النيابي أعرب عن إرادة المجلس النظر في شأن تحريك دعوى الحق العام تجاههما و يظل بإمكانها أن يتقدما بالدفوع الشكلية

وأشارت المحكمة في تفسير المادة 40 من الدستور انها لا تمنع الادعاء على النائب في فترة الانتقاد إنما هي تمنع من اتخاذ إجراءات قضائية جزائية بحق النائب ما يستوجب رد الطلب المسند الى مخالفة المادة المذكورة و التأكيد على أنه في جميع الأحوال لا يشكل سببا لتبرير الارتياب في حياد القاضي

و اعتبرت المحكمة أنه ينبغي تفسير الارتياب المشروع ضمن إطاره الضيق و الاثبات على عاتق من يدعي  والا  فإن طلب النقل المبني على الادعاء  يقتضي رده إذ إن الادعاء بحد ذاته لا يشكل سببا منطقيا للارتياب المشروع و للقاضي سلطة استنسابية في تقدير الادعاء وفقا لما بين يديه من معطيات تتعلق بالقضية التي ينظرها

و أشارت المحكمة الى أن القاضي صوان لم يخالف المادة 79 محاماة لعلة عدم إثارتها أمامه فيقتضي رد المخالفة المسند إليها

و ردت المحكمة تسييس القاضي للملف لعدم نفيه المزاعم المتعلقة بإبلاغ رئيس مجلس القضاء الأعلى و الاستاذ روي الهاشم و أشارت الى وضع نقابة المحامين ذلك في خانة تقيد القاضي بسرية التحقيقات و أن التصرف بخلاف ذلك يشكل خطأ قانوني و خروج على القواعد المسلكية و أن لا علم للنقابة بهذا الأمر مما يوجب رد السبب المدعى به لهذه الناحية

أشارت محكمة التمييز الى أن لا تخبط في أداء المحقق العدلي مستندة الى قرارين صدرا سابقا الاول عام ١٩٩٩ عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز و الآخر عام ٢٠٠٠ عن محكمة التمييز يوضحان الصلاحية الوظيفية المشتركة بين القضاء العدلي و المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء و الوزراء و أن مجمل هذه القرارات لم تضع آلية تنفيذ عملية لوضع اليد على الدعوى العامة ضد الوزراء كما أن المادة 70 من الدستور ايضا لم تتناول هذه الآلية فيستوجب ذلك رد السبب المذكور لعدم قانونيته

و في التعليق على أداء المحقق العدلي أشارت المحكمة أنه بمجرد الادعاء على وزيرين دون غيرهما من الوزراء لا يعتبر سببا منطقيا ولا قانونيا للارتياب المشروع ما يستوجب رد السبب المذكور

كما أشارت المحكمة الى مضمون المادة 340 أ.م.ج التي لا تجيز التقدم سوى باستدعاء واحد و أن سببي النقل الإضافيين يقتضيان الرد شكلا و يخرجان عن إطار الارتياب المشروع

أما في شأن كون شقة المحقق العدلي متضررة من جراء الإنفجار فقد أشارت المحكمة الى أن الشعب اللبناني برمته تضرر من الانفجار و أن المحقق لم يتخذ صفة الادعاء الشخصي لهذه الناحية فيستوجب رد الطلبين أساسا و الا شكلا

و قد طلبت المحكمة رد طلب وقف السير بالتحقيق و رد طلب النقل الأصلي و الإضافي شكلا و الا رد طلب النقل الأصلي اساسا و إخراج النقل الإضافي من الملف و الا رده اساسا لعدم القانونية و تغريم المستدعيين لتعسفهما في تقديم المراجعة الراهنة

و في خاتمة هذه الوقائع التي تناولها قرار المحكمة أوردت الفقرة الحكمية التي تناولت فيها فقرتين إحداهما تتناول الشكل والثانية تناولت الأساس

:أولًا في الأساس: أشارت المحكمة الناظرة إلى إدلاءات كل من المدعين الشخصيين في الدعوى الراهنة و هم

حسن بطيباتي وورثة نزار نجاريان و حزب الكتائب اللبنانية الذين أدلوا بما يل

 المادة 340 أ.م.ج  تتولى احدى الغرف الجزائية لدى محكمة التمييز مهمة الفصل في طلب نقل الدعوى من مرجع قضائي إلى مرجع قضائي آخر

تقرر رفع يد مرجع قضائي, في التحقيق او الحكم, عن الدعوى وتحويلها الى مرجع آخر من الدرجة نفسها لمتابعة النظر فيها اما لتعذر تشكيل المرجع المختص اصلا او لوقف سير التحقيق او المحاكمة او للمحافظة على السلامة العامة او لداعي الحرص على حسن سير العدالة أو لسبب الارتياب المشروع

و أضاف المدعين أن تعيين المحقق العدلي كمرجع ينظر في الدعوى جاء بناء لقرار إداري اتخذ عن وزيرة العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى و استتباعا الإحالة الى المجلس العدلي و هذا العمل بطبيعته عمل حكومي و قد تم تعيينه بشكل شخصي دون تعيين أي محقق عدلي آخر ليحل محله عند الحاجة و قد حددت مهامه حصرا بقضية جريمة انفجار المرفأ و أن تنحيته واستبداله بقاض آخر يستوجب اتباع الآلية ذاتها سندا للمادة 360 أ.م.ج و بناء عليه لا يكون لمحكمة التمييز الصلاحية للنظر في هذا الطلب فيقتضي رده شكلا لعدم الصلاحية

و في الإجابة عن ذلك قررت المحكمة رد الإدلاءات الأخيرة و اعتبار أنها صالحة للنظر في طلب نقل الدعوى للإرتياب المشروع حتى في الحالة التي أوردها المدعون في الفقرة السابقة معتبرة أن المادة 340 أ.م.ج جاءت مطلقة ولم تستثني حالة المحقق العدلي الذي يعتبر من المراجع القضائية الاستثنائية، وهو الذي تم تعيينه بقرار إداري ، و أن المنطق القانوني المبين في المادة 360 يتوفر فقط عندما يتعذر تعيين مرجع قضائي آخر أو تتعذر امكانية تأليفه للفصل بالدعوى و أن السير بهذه القاعدة يحرم القاضي من حقه بطلب تنحيه عن النظر في الدعوى اذا استشعر الحرج ما يجعل القاضي أسيرا لقرار تعيينه و إن توافقت الشروط المنصور عليها في المواد 120-121 أ.م.م لهذه الأسباب اعتبرت المحكمة أنها صالحة للنظر في طلب نقل الدعوى للإرتياب المشروع و يقتضي رد كل مطلب مخالف

2.المدعية الشخصية شركة مجمع موسى تدلي بأنه وفقا للمادة 116 أ.م.م يقتضي رد طلب النقل لعلة عدم توفر شروط المادة 120 أ.م.م و أن المحقق العدلي ادعى بصفته مدعيا عاما ما يقتضي رد الطلب أيضًا

و حيث أن المحكمة استندت في الإجابة على ورود نصوص خاصة في قانون أصول المحاكمات الجزائية مخالفة لهذه الإدلاءات الأخيرة و استنادا الى المادة 340 أ.م.ج يقتضي رد هذه المطالب

و قد استندت المحكمة الى المادة 362 أ.م.ج للمحقق العدلي أن يصدر جميع المذكرات التي يقتضيها التحقيق دون طلب من النيابة العامة. أن قراراته في هذا الخصوص لا تقبل أي طريق من طرق المراجعة

للنيابة العامة ان تدعي لاحقا في حق شخص اغفلته في ادعائها الاصلي وعلى المحقق أن يستجوبه بصفة مدعى عليه

وبناء عليه تعتبر المحكمة اقتضاء رد هذه المطالب

ثانيا في الأساس : قررت المحكمة قبول المراجعة أساسا و نقل الدعوى الراهنة من تحت يد القاضي صوان الى مرجع قضائي آخر وفقا للمادة 360 أ.م.ج و ذلك استنادا إلى التالي

(المادة 340) – اختصاص محكمة التمييز وحالات طلب نقل الدعوى وتبليغه تتولى احدى الغرف الجزائية لدى محكمة التمييز مهمة الفصل في طلب نقل الدعوى من مرجع قضائي الى مرجع قضائي آخر

تقرر رفع يد مرجع قضائي، في التحقيق او الحكم، عن الدعوى وتحيلها الى مرجع آخر من الدرجة نفسها لمتابعة النظر فيها إما لتعذر

تشكيل المرجع المختص اصلا او لوقف سير التحقيق او المحاكمة او للمحافظة على السلامة العامة او لداعي الحرص على حسن سير

العدالة أو لسبب الارتياب المشروع

للنائب العام التمييزي وحده أن يطلب نقل الدعوى لسبب المحافظة على السلامة العامة

إذا كان المرجع القضائي المطلوب رفع يده عن الدعوى هو احدى غرف التمييز الجزائية فتبت الهيئة العامة لمحكمة التمييز في الطلب

للنائب العام التمييزي ان يستدعي نقل الدعوى عفوا او بناء على طلب النائب العام الاستئنافي او النائب العام المالي او المدعي الشخصي او المدعى عليه او وزير العدل للأسباب الواردة في الفقرة الاولى

يجب أن يبلغ طلب النقل الى جميع فرقاء الدعوى. لكل منهم ان يجيب عليه خلال عشرة ايام من إبلاغه إياه

لا يوقف تقديم الاستدعاء السير في الدعوى الا إذا قررت محكمة التمييز خلاف ذلك

و حيث أن الحصانات التي أثيرت في المسألة الراهنة مقررة وفق القانون

و حيث أن قرار المحقق العدلي بأنه لن يتوقف أمام الحصانات و جاء ذلك بشكل واضح و صريح مستندا الى هول الكارثة التي يحقق فيها ما يعني تعمد المحقق العدلي بصورة صارخة الى خرق القوانين و تجاوز الحصانة النيابية والنقابية

و حيث أنه استنادا الى ما تقدم ترى المحكمة لا مبررًا للإرتياب لدى النائبين خليل و زعيتر

و حيث أن الادلاء بأن القاضي صوان يعتبر متضررا شخصيا من الإنفجار بسبب تضرر منزله الكائن في منطقة الأشرفية المنطق التي تعتبر من أكثر المناطق تضرراكما يمنعه من الحكم في الدعوى بلا ميول عاطفي يؤدي إلى تبرير الارتياب بتجرده و حياده  في حين أن المحقق العدلي أكد على وقوع الضرر و اعتبر أن الأضرار اقتصرت على الماديات و أنه ليس من ضعاف النفوس ليتأثر في هذا النوع من الأضرار و أنه قام بإصلاح الأضرار على نفقته ما يقتضي رد المطالبة بنقل الدعوى للارتياب المشروع

و حيث أن المحكمة ترى أنه و بناء للسلطة التقدير التي تتمتع بها أن واقع المحقق العدلي يجعل منه متضرر  شخصي بما لذلك من تأثير نفسي على صوان بحكم الطبيعة البشرية تبرر ما اعتبره المستدعيين ارتيابًا مشروعًا بحياد القاضي الأمر الذي سيمنعه من أخذ القرارات بتجرد

 وحيث اعتبرت المحكمة أنه و بناء لما تقدم يقتضي قبول المراجعة و نقل الدعوى من تحت يد المحقق العدلي القاضي فادي صوان

و قد جاء قرار المحكمة بالأكثرية

:و لتبيان ما إذا كانت المحكمة قد أحسنت أم أخفقت لا بد أن نقف عند النقاط التي وقفت عندها المحكمة

:في الارتياب بحيادية القاضي

لم يعط المشرع تعريفًا حرفيا للارتياب المشروع في حياد القاضي إنما أعطى اختصاص النظر بطلبات نقل الدعوى لعلته لمحكمة التمييز و ترك للأخيرة سلطة تقديره استنادا الى تصرفات و قرارات القاضي الناظر بالدعوى ، و بالتالي فإن ذلك يتم في حال كانت تصرفاته وقراراته واضحة الانحياز الى أحد الفرقاء بشكل لا يقبل الشك ما يستوجب قبول الطلب شكلًا لاختصاص المحكمة

و بما أن قانون أصول المحاكمات المدنية قد وضع مبدأ لا يمكن إغفاله وهو أن الإثبات يكون على عاتق من ادعى حيث أشارت المادة  ١٣٢ منه الى تحمل المدعي عبء الإثبات و قد تناولت مطالب مقدمي طلب النقل اسبابا عدة وصفتها بأنها أسبابا تبرر الارتياب سنتناول كل منها على حدة

:في المحاباة و التعمية

بما أن قانون أصول المحاكمات الجزائية يحدد في المادة ٣٤٤ منه أشار الى أن الجرائم التي يقوم بها القضاة خلال أو خارج أو بمناسبة وظائف تكون محكمة التمييز هي المرجع المختص للنظر بها ، و لم يذكر أي استثناء لهذه القاعدة في النصوص القانونية و عليه فلا يعتبر سببا للارتياب المشروع عدم ملاحقة القاضي صوان لأي من زملائه القضاة المشار إليهم في مطالب مقدمي طلب النقل

,امّا فيما يتعلّق باعتبار القاضي صوان يستعرض وينفذ أجندة سياسية

بما أن القاضي صوان كما أشارت مطالب النائبَين زعيتر وخليل أنه أراد من خلال الادعاء عليهما استجلاء الإطراء من حالة شعبية ضغطت عليه في المظاهرات التي أُشير الى حصولها قرب منزله بهدف الضغط عليه ليقدم على توقيف أصحاب نفوذ في الدولة من الصف الأول

وبما أن طالبي النقل أدليا بوصول خبر تحريك دعوى الحق العام بحقهما إلى الإعلام قبل إخبارهما وفق الأصول القانونية للإخبار

وبما أنهما أدليا بانتشار خبر في وسائل الإعلام يفيد أن ثمة اجتماع عقد قبل ظهر اليوم الذي حرّك فيه القاضي صوان دعوى الحق العام بحق النائبين وقد ضم الاجتماع المذكور كل من القاضي صوان ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، بحضور روي الهاشم صهر الرئيس عون وقد أشار القاضي صوان في هذا الاجتماع الى خبر من العيار الثقيل

وبما أن البيّنة علم من ادعى، وأن الطالبين لم يقدما أي إثباتٍ يؤكد مزاعمهما لهذه الجهة ويعتبر هذا السبب غير صحيح الى حين إثبات العكس، وعليه يقتضي رد هذا السبب

 لجهة تذرع خليل وزعيتر بالمادتين من دستور و٧٩ محاماة

يرى مقدما الطلب أن الحصانة النيابية والحصانة النقابية التي يتمتعان بها لا تبيح للقاضي إتخاذ إجراءات جزائية بحقهما سواء في ظل المادة ٤٠ من الدستور التي تشترط للقيام بمثل هذا الإجراء في ظل انعقاد الدورة العادية للمجلس النيابي قبل الاستحصال على موافقة المجلس النيابي من جهة، ومن جهة أخرى فإنه ومع وجود المادة ٧٩ محاماة فإنه لا يجوز للقاضي مباشرة الملاحقة الجزائية للمحامي دون موافقة نقيب المحامين

ويرى النائبين المحاميين علي حسن خليل وغازي زعيتر أن قيام صوان بمثل هذا الإجراء ما هو إلا خرقاً فاضحاً يشي بنوايا مبيّتة لا صلة لها بسلامة التحقيق ولا بكشف الحقيقة بموضوعية وتجرد ولعله خفي عنهما أن المحكمة تفصل في الارتياب المشروع وليس في مدى قانونية إجراءات القاضي ولا يعود للمحكمة إختصاص البحث فيها والبت في صحتها أو عدم صحتها ولو سلمنا جدلاً أن للمحكمة هذا الاختصاص فهذه الأسباب لا يمكن اعتبارها تبرر الارتياب المشروع بحياد صوان

وعليه فهذا الطلب لم يتم تقديمه في المكان المناسب ولمجرد عدم مراعاة الحصانة النيابة أو الحصانة النقابية عند الادعاء فلا يمكن الحديث عن إرتياب مشروع

أمّا لناحية حديث القاضي صوان عن عدم الوقوف أمام أي حصانة فإنه من البديهي أن يكون ذلك منهجاً لجميع القضاة خصوصاً لدى التحقيق في كارثة بهذا الهول تصيب الوطن وتدمي قلبه وبالتأكيد كلام صوان لم يأتِ في سياق سوء النية تجاه النائبين الضالعين في القانون بل جاء في معرض التمهيد لكل متدخلٍ ذو منصب وباع طويل بالتدخل في القضاء ولا بد أن يسري هذا الكلام الذي صدر على لسان القاضي فادي صوان على ألسنة وفي إجراءات وتصرفات جميع القضاة النزيهين في جميع القضايا على اختلافها وخصوصاً تلك التي تهم الوطن كل الوطن

إن كلام صوان جاء بشكل عام، ولم يكن موقوفاً على شخصي النائبين خليل وزعيتر

وبناءً عليه لا يمكن إعتبار مثل هذا التصريح سبباً يبرّر الارتياب المشروع بل حري بمن يتولى مهمة إظهار الحقيقة أن يتخذ إجراءات بحق كل من تتوفر شبهات حول تورطه في هذه الكارثة مهما علا شأنه

:لجهة التخبط في الأداء و الاستنسابية في إجراءات المحقق العدلي

يعتبر مقدما الطلب أن أداء المحقق العدلي يتصف بالاستنسابية والتخبط لأنه بعد مخاطبة المجلس النيابي بصفته مختصاً بالادعاء على النائبين وبعد جواب الأخير انقلب وقام بتحريك دعوى الحق العام

واعتبرا أنه حصر تحريك دعوى الحق العام بأشخاص ينتمون الى خط سياسي واحد الأمر الذي يتعارض برأيهما مع مبدأ الحياد والموضوعية لدى المحقق العدلي.

وبما أن كل ذلك لا يعتبر انحيازاً وأن للقاضي دون سواه سلطة التقدير وتحديد مسار التحقيق وصولاً الى كشف الحقيقة الأمر الذي يجعل السببين الأخيرين باطلين ويقضي ردّهما

لجهة تضرر منزل صوان

بما أن النائبين اكتشفا أن منزل صوان تضرر من الانفجار موضوع التحقيق إثر حصول التظاهرات الشعبية أمام منزله

وبما أن ذلك برأيهما يمنع القاضي من التصرف بموضوعية وحيادية لعلة الضرر الشخصي الذي أصيب به الأخير

وبما أن القاضي صوان لم يتخذ صفة الادعاء الشخصي في القضية وقام بإصلاح منزله على نفقته الخاصة وأكد أنه يتابع عمله دون انحياز

وبما أن عدم إتخاذ صفة الادعاء الشخصي من قبل صوان في هذه القضية لا يجعل له أي مصلحة مباشرة في القضية رغم أن لكل الشعب والوطن الجريح مصلحة في كشف الحقيقة

وبما أن الارتياب المشروع تبرره التصرفات وليس الفلسفات والنظريات السياسية فلا يمكن اعتبار تضرر منزل صوان سبباً يبرر عدم الحياد ما يوجب على المحكمة ردّ السبب المذكور

في الختام ، وبعد تفنيد الأسباب التي أدلى بها مقدما الطلب وربطها قانوناً وتبيان عدم ارتباطها بالارتياب المشروع وبأنها لا ترقى الى تشكيل أسباب تبرر الارتياب نتفاجأ بقرار المحكمة الذي جعل لطالبي النقل قيمة تعلو فوق قيمة المواطن وكرامةً تعلو على كرامة الوطن الجريح

لقد كان من الأجدر أن تقبل المحكمة الطلب شكلًا و أن ترديه أساسا و أن ترد كل الدفوع المدعى بها و تقدر الإشارة هنا الى إن القانون أعطى صلاحية النظر بنقل الدعوى للارتياب المشروع لأعلى مرجعٍ قضائي حفاظاً على مبدأ الحياد ومبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء لا لتكون ملجأً للهروب من الإجراءات القضائية ومركزاً لتصفية الحسابات السياسية على حساب السلطة المعوّل عليها محاربة الفساد

إننا لا يمكن لنا أن نرى قرار محكمة التمييز إلا رحمةً يشحذها السياسيين لدى طرق العدالة أبوابهم وكأن ذلك سيكون حجة لكل متورطٍ أو متهمٍ مستقبلاً في أي ملف فساد لكي يتذرع بالارتياب المشروع بهدف المماطلة والتحصن بالحصانات لتكون سداً منيعاً مانعاً من إحقاق الحقوق

لا شك إن النائبين خليل وزعيتر بريئين الى حين ثبوت العكس وأن القانون يقضي بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ولكن كان من الأجدر بالمحكمة أن لا تلتفت الى شخص طالبَي النقل وأن تقوم بعملها كما تقتضي الأصول القانونية ولكن هذا القرار المفاجئ خيّب آمال أهالي الضحايا، الجرحى، المتضررين ، بيروت والوطن

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هل سينجح المحقق العدلي الجديد طارق بيطار في مهامه الجديدة أم سيكون عرضةً لهبوب الرياح السياسية؟

الجواب اليقين على سؤالنا يستشفّ من المعطيات المنتَظَرة


Nizar Rifaii
Nizar Rifaii

DSP1

دراسة القانون كان عن رغبة واختيار لأنه علم فن ادارة الحياة .. فمن لحظة ميلاد الأنسان حتي مماته والقانون يحكم كل لحظة من حياتة وينظمها.إن دراسة القانون سيضيف الكثير لشخصية الفرد ويجعله أكثر واقعية فى تناوله لحياتة اليومية والتعامل مع الاخرين .بالنسبة إلي ، لطالما كنت أرغب الخوض في الأمور  التي تطرح جدلًا على الساحة القانونية ، لا سيّما فيما يختص بالقضايا الدستورية و معالجة الأحكام و القرارات القضائية و المهمة على الصعيدين الاجتماعي و السياسي الوطنيّين و الإقليميّين اضافةً الى اهتمامي بدراسة وفهم القواعد المدنية و الجزائية هذا و نشر الثقافة القانونية المجتمعية ليعلّم كلّ مواطنٍ و مقيم القيود التي وضعها المشرّع مراعاةً للمصلحة العامة و المصالح الفردية الخاصّة

Leave a Comment