واقع السجون في لبنان



تطورت وظيفة السجن عبر الزمن, فقد كان في العصور السالفة لا يكترث للاعتبارات الانسانية والاجتماعية والاصلاحية, و طغيان الرغبة فيه بالانتقام من السجين على ما اقترفه من جرائم أو تهم ألصقت به دون رأفة, شفقة أو رحمة, أما في عصرنا الحاضر، وبعد تكريس مبادئ حقوق الإنسان عبر نصوص وتشريعات قانونية صارت السجون في الكثير من دول العالم معاهداً لتأهيل وإصلاح الأفراد، يحيث يخرج السجين إلى مجتمعه مواطناً صالحاً مكتسباً مهنة أو حرفة، بالتالي متحرّراً من أية أفكار جرمية و قد جاءت تلك المبادئ التي أرساها المفكرون الاوروبيون تتويجًا لتطور مفهوم السجن من كونه مجرد وسيلة للعقاب إلى معاهد تأهيل وإصلاح للأفراد ،خصوصاً بعد الثورة الفكرية التي وضعت حدّاً لتسلط رجال الدين والملوك والطغاة والحكام


كما تطورت النصوص والتشريعات مع تطور الدساتير والقوانين، بحيث صارت تنظر إلى السجين “كإنسانٍ” آخذةً بعين الاعتبار الظروف والاسباب التي دفعته لارتكاب الجريمة أو العمل غير المشروع وبذلك بات السجين يدخل السجن مرتكبًا أو مجرمًا ويخرج منه مواطنًا صالحًا صاحب مهنة تسنده في حياته, رافضًا أي عمل من شأنه مخالفة القوانين والأنظمة

السجون اللبنانية بؤر تطوير للجرائم


لم تؤدِّ السجون في لبنان للأسف كما في دول العالم الثالث وظيفتها في تأهيل المرتكبين والمجرمين, وإعدادهم كي يخرجوا إلى المجتمع أشخاصًا صالحين فيخرج منها السجين أكثر عنفا وشراسة بفعل سوء المعاملة, والاهمال المقصود, والإكتظاظ العددي وغيا الرقابة والارشاد والرعاية الصحية والاجتماعية والدروس التثقيفية والتعليمية والمهنية ما يستوقفنا هنا الى اساليب التعذيب التي تمارس في اماكن احتجاز الموقوفين للتحقيق معهم حيث قضي على بعضهم جراء ذلك, و أصيب البعض الاخر بعاهات دائمة والأخطر من ذلك, سماعنا مؤخرا عن مساجين يديرون تجارة المخدرات والاعمال الارهابية من داخل الزنازن باستخدام هواتف متصلة بالشبكة العنكبوتية أدخلت خلسة بتواطؤ من بعض العناصر المعنية بمراقبة السجناء, دون أي رقيب او حسيب و أكثر ما يثير القلق والخوف هو ارتفاع الأصوات المطالبة بالعفو العام بغض النظر عن طبيعة الجرائم والأفعال التي اقترفها بعض السجناء المصنّفين بالخطيرين وكأننا بذلك نحبّذ على إطلاق أسرابًا جديدة وسط المجتمع من مجرمين, تجار للمخدرات, إرهابيين, و عملاء ليمارسوا ما اقترفوه في السابق فيملؤوا الأرض فسادًا وإجرامًا

رغم الدعوات لإصلاح السجون ، ومع تطور القوانين التي  ترعى شؤون وحقوق المساجين، هل تغيرت وظيفة السجن فير لبنان؟وهل أدى الدور المناط به أصلا في تخريج أناس صالحين؟ بكل تأكيد لا، لأن ما نراه في سجون لبنان اليوم يدمي القلب ويثير القلق والخوف على السجناء والموقوفين الذين دخلوا السجن لجنح بسيطة وسيخرجون منه مجرمين محترفين بعد أن جاوروا سجناء خطيرين وتعلموا منهم أصول الاجرام ووسائله

معضلة اكتظاظ السجون


السجون في لبنان مكتظة بموقوفين متهمين بجنح بسيطة لم تجر محاكمتهم بعد لغياب العدد الكافي من القضاة, وهذه جريمة بحد ذاتها, فما ذنب هؤلاء كي تسلب منهم سنين حياتهم ظلمًا وبهتانًا؟ وجب الاشارة إلى أنّ الموقوف هو المشتبه به أو المتهم بجرم ما, ولا تثبت إدانته حتى صدور الحكم, علاوةً على ذلك, نشهد اكتظاظًا يُقدّر ب٣٠ سجين وموقوف في زنازين ونظارات لا تتعدّى مساحتها عن الأمتار الاربعة مما يؤدي إلى حدوث اضطرابات ومشاكل اجتماعية بين السجناء فضلاً عن انتشار الأمراض المعدية وانعدام النظافة و غيرها من العقبات الكثيرة التي ترافق يوميات السجين، أما عدد السجون فيبلغ نحو ٢٥ سجنًا و٧ نظارات إضافةً الى معهد إصلاح للأحداث الذي يديره اتحاد حماية الأحداث و تدار هذه الأخرى وفقاً لمرسوم تنظيم السجون رقم ١٤٣١٠، الصادر عام ١٩٤٩, والذي لم يعد يتناسب في نصوصه ومرحلته الزمنية مع التطورات التي شهدها العالم في معرض حقوق الانسان وحقوق السجين فقد ارتفع عدد السجناء في العامين الماضيين حتى وصل ال٩٠٠٠ سجين. كما وان ٦٥% من الموقوفين  لم تصدر أحكام قضائية بحقهم بعد

في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها المواطن في لبنان, ارتفعت معدلات الجريمة بحسب إحصاءات أجرتها المديرية العامة لقوى الامن الداخلي عام ٢٠٢٠ حتى وصلت الى ١٣٢%، وزادت نسبة الاكتظاظ داخل السجون مع هذا الارتفاع الجنوني لأعداد السجناء حتى صارت أزمة الاكتظاظ أزمة انسانية حقيقية تستوجب حلولًا سريعة خصوصا بعد الانتشار الكبير لفيروس كورونا داخل السجون, في هذا الإطار، أصدرت منظّمة الصحّة العالميّة في ٢٣ آذار ٢٠٢٠ توصيات مؤقّتة بشأن إدارة أزمة فيروس “كورونا”، تحت عنوان التّأهّب والوقاية والسيطرة على الفيروس في السّجون وأماكن الاحتجاز الأخرى

بعض الحلول المقترحة

صارت السجون في لبنان أشبه بالقنابل الموقوتة التي تكاد تنفجر في مجتمعنا في حال لم يوضع برنامج واضح لحل أزمة الاكتظاظ وايجاد حلول سريعة، هذا ما كان ليحدث لو أنها قامت بوظيفتها في تأهيل الافراد واصلاحهم لذا نذكر بعض الحلول الممكنة

١- توسيع وتطوير السجون الحالية في مختلف المناطق والمحافظات اللبنانية لتتوافق مع المعايير العالمية
٢- بناء سجون جديدة مستوفية لشروط الامان والصحة التي اقرتها جمعيات حقوق الانسان والمنظمات الدولية على أن يعطى دور اوسع للمهن و الاشغال اليدوية
٣- توزيع المساجين حسب التهم والجرائم التي اقترفوها
٤- عدم حشر المساجين في غرفة واحدة
٥- تجهيز السجون بكافة وسائل التدفئة والتبريد
٦- القيام بندوات تثقيفية وارشادية
٧- الإفراج عن المساجين الذين قضوا ثلاثة ارباع مدة محكوميتهم و كانوا مثالًا للسلوك الحسن
مع استثناء تجار المخدرات, الارهابيين, وكل من تعامل مع العدو الاسرائيلي
٨- تفعيل دور جمعيات حقوق الانسان والجمعيات المعنية بحقوق السجناء عبر اقامة زيارات دورية للسجناء و استطلاع مشاكلهم ومطالبهم
٩-إقرار قانون العفو العام باستثناء تجار المخدرات والارهابيين والعملاء
١٠- متابعة السجناء بعد انتهاء محكومياتهم للتأكد من حسن سلوكهم وانضباطهم في المجتمع وعدم مخالفتهم القوانين والانظمة


Hadi Dika
Hadi Dika

DSP1

القانون هو ضابط السلوك الاجتماعي،هو مرحلة متقدمة نقلت الشعوب من عصر شريعة الغاب والفوضى الى عصر النظام والانضباط الاجتماعي. انا مهتم بالقانون الدستوري الذي نص على مواضيع عديدة أبرزها الحريات العامة التي اعتبرها الميزان والحجر الاساس لقيام دولة القانون والمؤسسات السياسية


المراجع

مجلة محكمة-

المرسوم رقم 14310 تاريخ 11/02/1949  المتعلق بتنظيم السجون-

جريدة الاخبار-

Leave a Comment